واقع لبنان الطائفي في قانون الانتخابات
عاد الحديث عن قانون الانتخابات النيابية إلى الواجهة من جديد، وعاد معه الحديث عن صحّة التمثيل المسيحي من جهة، وحجم الدوائر الانتخابية من جهة ثانية.
فما هو المعيار الأساسي في عملية طرح أي قانون انتخابي جديد للبنان؟
يفرض واقع لبنان الطائفي حالة من “عدم التوازن” في تحقيق أي تمثيل عادل للفريق المسيحي، إذ أن أقصى نسبة مشاركة ممكن أن يصل لها الجانب المسيحي من إجمالي أصوات اللبنانيين لا تتخطى الـ40 بالمئة، كما أن هذه النسبة لا تعني أن جميع الأصوات تصب في الخانة المسيحية، نظرًا لتشتّت تلك الأصوات في أقضية ذات أغلبية مسلمة، وبالتالي تصل حقيقة الصوت المسيحي في المقاعد المسيحية إلى قرابة 23 بالمئة فقط.
وإذا ما أردنا مقارنة هذه النسبة مع حجم المقاعد الموجودة في لبنان، وهي 128 مقعدًا نيابيًا، نجد أن قرابة 41 مقعدًا مسيحيًا من أصل 64 يمكن أن ينجحوا بالصوت المسيحي، الأمر الذي ينسحب على جميع الطروحات الوطنية المقدّمة في المجلس النيابي والتي لا تتضمّن تصويب الصوت المسيحي تجاه المرشح المسيحي فقط، ليتحوّل لبنان في ظلّ أي طرح غير وطني إلى بقعة طائفية، في وقت تُرفع عناوين مضادّة للطروحات المذهبية كـ”الدولة المدنية”.
أما إذا غصنا في عمق المشاريع المطروحة لتقييم حسناتها من سيئاتها، مقارنة مع الواقع المذهبي، نستنتج التالي:
قانون “لبنان دائرة واحدة”
في ظلّ طرح قانون “لبنان دائرة واحدة”، سيشهد البلد انقسامًا مذهبيًا واسعًا جدًا، فالشارع المسيحي سيُرشح لوائح ذات ثقل مسيحي وأقليات مسلمة لإكمال العدد، كما سينطبق الأمر عينه على الطائفتين السنية والشيعية، ويُضاف إليها بعض الأحزاب الحليفة على مستوى الوطن، في حين أن لا مؤشرات حقيقية على توحّد المجتمع المدني الذي سيُرشح بالمقابل لوائح مدنية متنافسة.
من جهة أخرى، فالأهم في البعد الطائفي لما يُطرح هو أن اللوائح ذات البُعد المسيحي ستقوم باستجداء المرشحين السُنة والشيعة الذين لا حظوظ لهم في اللائحة المسيحية، وبالتالي فمن المتوقع أن تُدفع الأموال للمرشحين من طوائف معاكسة نظرًا للظهور الشكلي على تلك اللوائح. أما اللوائح السنية، فستكون محطّ أنظار الشارع المسيحي نظرًا لإمكانية نجاح بعض المرشحين المسيحيين بأصوات زهيدة كـ”بقايا مقاعد”، بسبب الخلل الطائفي في الوطن.
الأمر عينه ينسحب على اللوائح ذات الأغلبية الشيعية، أي تلك التي تتضمّن مرشحين من الثنائي الشيعي، وهي قادرة على أن تخطف مقاعد مسيحية، في حين أن المجتمع المدني قد يتشتّت لأسباب متعددة، أهمّها عدم وجود رؤية مشتركة بين مختلف المجموعات، بالإضافة إلى اختلاف بين المجتمع المدني وبعض الأحزاب السياسية التي تعتبر نفسها جزءًا من هذا المجتمع.
قانون “لبنان مقسّم إلى عدة محافظات”
يُعتبر طرح تقسيم لبنان إلى محافظات أقل وطأة من قانون “لبنان دائرة واحدة” على مستوى التشتّت، لأنه يحصر الصراع الطائفي على مستوى المحافظات، الأمر الذي يدفع المقاعد المسيحية من جديد إلى المواجهة، ما قد يُعزز دور المجتمع المدني لأن إمكانيات تماسكه تصبح أسهل.
القانون الحالي مع إضافة بعض التعديلات
الدوائر الحالية في القانون الانتخابي المطروح تُعتبر الأفضل على مستوى حصر التمثيل الانتخابي من جهة، وتلبية الواقعية السياسية الطائفية في لبنان من جهة أخرى، ولتعزيز العدالة في التمثيل الوطني في هذا الطرح، ينبغي فتح التصويت التفضيلي على مختلف الأقضية الصغرى ضمن الدائرة الواحدة، كما ينبغي إضافة صوت تفضيلي آخر غير مشروط بطائفة أو قضاء، الأمر الذي يعزّز العامل الوطني في العملية الانتخابية.
في الخلاصة، يفرض واقع لبنان الطائفي نفسه على أي قانون انتخابي، في ظلّ اعتماد مناصفة غير متوازنة مقارنة مع الواقع الطائفي العددي الذي يفرض نفسه، وبالتالي فمهما طُرح من مشاريع في لبنان، سيكون العامل الطائفي سيّد الموقف، بدءًا من حسابات تشكيل اللوائح وصولًا إلى عمق أي طرحٍ تلعب فيه التفاصيل اللعبة المفصلية في تحديد شكل النتائج.
زكريا حمودان